دور القاضي الدستوري في إصلاح القصور التشريعي

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

المستخلص

التشريع على وفق النظرية الحديثة قاصر بطبعه، وقصوره هذا مستمد من قصور مشرعه فالمشرع مهما کان ثاقب البصر، واسع الخيال، محيط بالحوادث، يبقى قاصر عن استيعاب الحوادث کلها، فضلاً عن تلک التي تستجد في أعقاب التشريع، فواحدٌة من أبرز أسباب استبدال التشريع بغيره، کثرة الحوادث التي تعجز التعديلات عن ملاحقتها، هذا إضافة إلى أن التشريع في معالجته متناهي تحيطه الحدود، في حين أن الحوادث والمستجدات غير متناهية، وليس لمتناهي أن يحيط باللامتناهي أو يحکمه، ويعد التفسير أمر لازم للتشريع کما التعديل، والقول بغير ذلک يعني مخالفة الطابع البشري وسمات القانون الوضعي، بل أن التفسير بنطاقه ينسجم عکسياً مع قصور التشريع، فکلما کان التشريع أکثر قصوراً، کلما نشطت حرکة التفسير واتسع نطاق عمل المفسر، وکلما کان التشريع أکثر دقة وأوسع معالجة کلما تراجع نشاط المفسر، لکن نطاقه يبقى قائم محجوز لا يمکن تجاوزه.
ويقصد بالقصور التشريعي عدم ملائمة النصوص التشريعية للحياة الاجتماعية والسياسية السائدة في المجتمع وقت تطبيق تلک النصوص، وعدم تضمن النص التشريعي لما تقوم الحاجة اليه من احکام تفصيلية او جزئية في ظل تغيرات جوهرية، ويعبر تحقق القصور التشريعي عن تطور المجتمع تطوراً جوهرياً وعدم قدرة النصوص القانونية التي وضعت في زمن سابق على مواکبة هذا التطور، ويتحقق القصور التشريعي متى کانت القاعدة التي تعالج المسألة المطروحة على القاضي موجودة ولکنها غير عادلة أو غير منسجمة مع الظروف الاجتماعية والسياسية. ويتحقق القصور التشريعي نتيجة تبني دستور جاء بقيم وقواعد ومبادئ جديدة، إلا أن القوانين النافذة بقيت على حالها دون يمسها التعديل او الالغاء، ذلک ان مجرد وضع دستور جديد ومهما کان مثاليا لن تکون له أية قيمة قانونية أو اجتماعية ما لم تترجم النصوص والمبادئ التي جاء فيها ذلک الدستور الى قوانين تحل محل القوانين التي خلفتها الدکتاتورية، ونظرا لحداثة فکرة القصور التشريعي کأحد أوجه عيوب عدم الدستورية، واعتمادها في الظهور على اجتهادات الفقه الدستوري، فلم يتفق الفقه على تحديد معناه ومضمونه، وانما تعددت هذه التعريفات.