الدفع بالجهل بأحکام القانون کوسيلة لاستبعاد القانون الأجنبي الواجب التطبيق بمقتضى قاعدة الإسناد

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مــدرس القانـــون الدولي الخــــــاص- کلية الحقوق- جامعة أسيوط

المستخلص

لما کان من العسير على الصعيد الداخلى (الوطنى) أن يعلم الکافة بأحکام کل القوانين الوطنية لکافة دول العالم، فإن الجهل بأحکام القانون الأجنبى أمرٌ بدهىٌ وطبيعىٌ ومقبولٌ، والواقع يشهد بأن الجهل بأحکام القانون الأجنبى هو القاعدة العامة وأن العلم بها هو الاستثناء، فلا يخفى على الکافة ما يصيب طريق الوصول إلى أحکام القانون الأجنبى الواجب التطبيق من صعوباتٍ وعوائقٍ جمةٍ فى المناعات الخاصة الدولية المتضمنة عنصراً أجنبياً.
ولقد أدت الاجتهادات القضائية المشهودة والأعمال التشريعية المتواصلة فى إطار القانون الدولى الخاص إلى ظهور عدة دفوع تُجيز التمسک بها بغرض استبعاد القانون الأجنبى الواجب التطبيق الذى تم التوصل إليه بمقتضى تطبيق قواعد الإسناد الوطنية والتى من بينها الدفع بالجهل بأحکام القانون الأجنبى الواجب التطبيق، فالدفع بالجهل بأحکام القانون الأجنبى الواجب التطبيق بمقتضى قواعد الإسناد هو من خلق وابتکار وابتداع القضاء الفرنسى، ولعل الهدف الرئيس من وراءه هو توفير حماية فعالة وحقيقية للطرف الوطنى أمام تهرب المتعاقد الأجنبى من تنفيذ التزاماته ومحاولته التحلل منها لأنه فى حالة ما إذا نجح صاحب المصلحة فى إثبات جهله بالعلم بأحکام هذا القانون الأجنبى الواجب التطبيق فإنه سيتم تعطيل واستبعاد القانون الأجنبى الذى أشارت باختصاصه قواعد الإسناد الوطنية من نطاق التطبيق على النزاع المثار والذى هو أحد أطرافه.
وعلى الرغم من أن الدفع يُمثل ضمانةً هامةً من ضمانات حماية أمن المعاملات وسلامتها والحفاظ على استقرارها، وکل ذلک ينصب على موضوع العلاقة وليس على أطرافها، إلا أن التشريعات الوطنية تعاملت مع الدفع بالجهل بأحکام القانون الواجب التطبيق کاستثناءٍ وليس کقاعدةٍ عامةٍ أصليةٍ، ولکن الدفع بالجهل بأحکام القانون الأجنبى الواجب التطبيق هو دفعٌ متعلقٌ بالنظام العام، ويترتب على ذلک عدم جواز تعليق تطبيقه على إرادة ومشيئة الأطراف وعدم جواز التنازل عنه بغرض کفالة سلامة المعاملات وضمان حسن سيرها واستقرارها، وهو قاعدة موضوعية خاصة بالمعاملات ذات العنصر الأجنبي، وتُطبق بصورةٍ صريحةٍ ومباشرةٍ فى حال توافر شروط ولوزام تطبيقها، وبالتالى فهى ليست قاعدة من قواعد قواعد التنازع ولا قاعدة قواعد التطبيق الضروري أو قواعد البوليس، وهو ما يحتاج إلى مزيد من التنظيم التشريعى لهذا الدفع تزامناً مع طبيعته ودوره.