تُعدُّ القرارات الإدارية من أهم مظاهر الامتيازات التي تتمع بها السلطة الإدارية، کما تُعدُّ وسيلتها المفضلة في القيام بوظائفها المتعددة والمتجددة في الوقت الحاضر؛ لما تحققه من سرعة وفاعلية في العمل الإداري، وإمکانية البت من جانبها وحدها في أمر من الأمور دون حاجة إلى الحصول على رضا ذوي الشأن، أو حتى معاونتهم، وذلک بإنشاء حقوق للإفراد أو التزامات عليهم، هذا بالإضافة إلى قدرة الإدارة على تنفيذها تنفيذًا مباشرًا وبالقوة الجبرية.
ويمکن تعريف القرار الإداري بأنه إفصاح جهة الإدارة في الشکل الذي يتطلبه القانون عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة عامة، بمقتضي القوانين واللوائح، وذلک بقصد إحداث مرکز قانوني متى کان جائزًا وممکنًا قانونًا؛ ابتغاء تحقيق مصلحة عامة.
ويعترف القانون الإداري بسلطة تقديرية أو بقدر من حرية التصرف للإدارة العامة في مباشرة معظم اختصاصاتها ومسئوليتها القانونية باعتبارها الأمينة على المصلحة العامة، وتطبيقًا من المشرع لهذه السلطة التقديرية التي منحها للإدارة، فقد أعطاها الحق في سحب بعض ما تصدره من القرارات، إذا کانت هذه القرارات غير مشروعة قانونًا، أو کانت قرارات غير ملائمة؛ ابتغاءً للصالح العام وحسن سير المرافق العامة، وللتخفيف من على عاتق القضاء.
ومما لا خلاف عليه أنه يجوز للجهة الإدارية سحب القرارات المعيبة بعيب عدم المشروعية، وذلک مثل القرارات الإدارية التي لا تولد حقوقًا أو لاعتبارات عدم الملاءمة، أمَّا بالنسبة للقرارات الإدارية المشروعة، فهل يجوز للجهة الإدارية مصدرة القرار أن تسحب هذا القرار المشروع؟ استقر قضاء مجلس الدولة المصري ونظيره الفرنسي على أنه لا يجوز سحب القرار الإداري السليم إلا وفقًا للحدود المقررة في القانون في هذا الشأن، وهذه القاعدة مبنية على أساس عدم رجعية القرارات الإدارية غير المشروعة، فقد صغيت في صورة نظرية متکاملة ذات قواعد وشروط، صاغها مجلس الدولة الفرنسي، ونقلها عنه مجلس الدولة المصري.
ويُعتبر سحب القرار الإداري غير المشروع نوعًا من الجزاء الذي توقعه الإدارة على نفسها بنفسها؛ نتيجة إصدار قرار غير مشروع، توفر به على نفسها تلقي ذلک العقاب من القاضي الإداري، فيما لو طعن أحد الأفراد أمامه بعدم مشروعية ذلک القرار، بما يجعله قاضيًا بإلغائه لا محالة.
وقد خُلصت الدراسة إلى عدم التوسع في سحب القرارات الإدارية المشروعة، ليس فقط تعارض هذا النهج مع مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية، الذي يقوم على اعتبارات احترام لحقوق المکتسبة والمراکز الشخصية، وانما لتعلق هذه الفکرة بممارسة الاختصاصات الإدارية؛ لأن من شأن ذلک فتح الباب على مصراعيه وترسيخه کعرف إداري يلجأ إليه الرؤساء للبحث عن الشعبوية والبقاء وخاصة القرارات التنظيمية فيها، حتى ولو لم تطبق بصورة فردية.