طعن الغير على العقد الإداري ذاته في ولايتي الإلغاء والقضاء الكامل "دراسة تحليلية نقدية في ضوء التحولات التشريعية والقضائية الحديثة في مصر وفرنسا وأثرها على مبدأ الأمن القانوني"

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس القانون العام بكلية الحقوق - جامعة مدينة السادات

المستخلص

تعتبر منازعات عقود الدولة بمثابة النهر المتدفق بين ضفتين هما: اتجاهات القضاء الإداري من جهة، وتشريعات العقود الإدارية من جهة أخرى، ولقرابة قرن من الزمان، ظل هذا النهر يجري بانسيابية، خصوصا عندما استقر الأمر في مصر وفرنسا على فتح باب طعن الغير على القرارات الإدارية المنفصلة عن العقد الإداري، دون المساس بالعقد ذاته، إلا أن هذا الهدوء لم يدم طويلا، حيث شهدت السنوات الماضية تحولات تشريعية وقضائية جذرية حولت التيار الهادئ إلى سيل جارف، سواء في مصر أو فرنسا.
ففي فرنسا، تم توسيع حق الغير تدريجيا ليشمل: الطعن بإلغاء العقد الإداري ذاته، سواء عن طريق طعن المحافظ، أو الطعن بإلغاء البنود التنظيمية للعقد، ثم أصبح لجميع الأطراف الخارجية عن العقد -ومنها المتنافس المستبعد- القدرة على الطعن في صحة العقد أو في بعض بنوده غير التنظيمية القابلة للانفصال عنه، وذلك ضمن ولاية القضاء الكامل، وقد ساهم هذا التطور في تعزيز سيادة القانون وموازنة حق الغير في الطعن مع استقرار العقود الإدارية.
وعلى النقيض، اتجه المشرع المصري نحو الحظر الكلي لطعن الغير على عقود الدولة، وذلك بإصدار القرار بقانون رقم 32 لسنة 2014، والذي جاء كرد فعل على اكتفاء القضاء الإداري بصفة المواطن لقبول الطعن في عقود الدولة، مما أدى إلى طعون تعسفية عديدة، هددت مناخ الاستثمار في مصر، وقد قضت المحكمة الدستورية العليا في يناير 2023 بدستورية هذا القرار بقانون، رغم مغالاته في حظر طعون الغير على عقود الدولة كليا، لكن الاعتبارات الملحة والضرورية للأمن القانوني قد سببت هذه المغالاة.
ورغم ما قد يبدو من أن فتح باب الطعن على العقود الإدارية يمثل تهديدا لاستقرار عقود الدولة والأمن القانوني، فقد أظهر بحثنا أن هذا الطعن -إذا تم وضعه في إطار شروط جدية كالمصلحة المؤكدة ومهلة الطعن- يشكل في الواقع أداة فعالة لتعزيز استدامة العقود الإدارية، إذ أن العقود غير القانونية تُضعف من مشروعية العمل الإداري، وفتح الباب لطعون الغير يسهم في تصحيح تلك المخالفات حسب حجم خطورتها، لذلك ومن أجل تحقيق موازنة حقيقية بين حق الغير في الطعن على العقود الإدارية، وضمان استقرار هذه العقود وإضفاء مبدأ الأمن القانوني، فإننا قد اقترحنا منح قاضي العقد صلاحيات عديدة، تشمل: الحكم باستمرار تنفيذ العقد أو إيقاف التنفيذ مؤقتا، الحكم بتعويض المضرور، التسوية الودية، فرض بتدابير تصحيحية، فسخ العقد بالنسبة للمستقبل، أو حتى إبطال العقد جزئيا أو كليا في حال تضررت المصلحة العامة بشكل جسيم.

الكلمات الرئيسية