إن مسألة الرقابة القضائية على الإغفال التشريعي الكلي تعد من الموضوعات المسكوت عنها، على الرغم من اتصالها بموضوع الشرعية الدستورية.
وفى إطار الشرعية الدستورية لا يعد مقبولا أن يكفل الدستور للمواطنين حقوقا، ثم يتقاعس المشرع عن تنظيم هذه الحقوق، ولا تراقبه المحكمة الدستورية العليا، أو يقيده قاضى المشروعية فى ذلك، بما يمنح السلطة التشريعية– فى خصوصية هذا الفرض- ولاية مطلقة لا يعصمها نصوص الدستور ولا يقيدها أحكام القضاء.
ويشكل ما سبق تهديداً لبنيان الشرعية الدستورية، فحينما يتقاعس المشرع عن أداء وظيفته الأساسية المتمثلة فى التشريع؛ لتنظيم الحقوق والحريات التى كفلها الدستور دون مساءلة، فأننا نضحى بهذه الحقوق ونحيل نصوص الدستور إلى مجر رموز لا قيمة لها. فتنفصل الوثيقة الدستورية عن الواقع الذى يجب أن تجسده وتحكمه؛ لتتحول إلى مجرد وثيقة غير نابضة بالحياة خاضعة لأهواء تكتلات السلطة التشريعية ومصالحها الحزبية بالمخالفة لمبدأ سيادة الدستور، فمن غير المستساغ أن يكون نفاذ نصوص الدستور معلقاً على إرادة الحزب السياسي الحاكم المهيمن على السلطة التشريعية، بما يثير التساؤل حول قيمة الدستور كمصدر مباشر للحقوق والحريات. فضلا عن إثارة شكوك خطيرة حول مبدأ توازن السلطة، لاسيما فى الفرض الذى تتسع فيه موضوعات الإغفال التشريعي الكلي.
ويزداد من وطأة الأمر، تراجع المحكمة الدستورية العليا عن رقابتها على هذا الإغفال بما يدخل المحكمة فى صراع سياسي ينال من فاعلية الرقابة الدستورية ومداها، فأكثر ما يروع المواطنين أن يكفل الدستور حقوقا لهم، ولا يجدون منها فى الواقع إلا سراباً، فيصبح الحق بدون قوة تحميه وهماً، ويضحى النص الدستوري رمزاً، ويكون تراخى المشرع عن أداء وظيفته الأساسية المتمثلة فى تفعيل نصوص الدستور قناعا تخفى به السلطة التشريعية وجهها القبيح ونواياها السيئة تجاه قيمة ومكانة الدستور وتصنيف الدولة بين مصاف الدول الديمقراطية.