الدور الإنشائي للقضاء الإداري في معالجة الإغفال التشريعي: دراسة تطبيقية مقارنة بين فرنسا ومصر بشأن تنظيم الحق في الإضراب السلمي

يتناول هذا البحث بالدراسة والتحليل مسألة الإغفال التشريعي بوصفه أحد أبرز أوجه القصور التشريعي التي تعيق تفعيل الضمانات الدستورية للحقوق والحريات، ويركز على دور القضاء الإداري في معالجة هذا الإغفال من خلال دراسة تطبيقية مقارنة بين مصر وفرنسا في تنظيم الحق في الإضراب السلمي. ويعالج البحث إشكالية جوهرية مفادها: إلى أي مدى يمكن للقضاء الإداري التدخل لمعالجة غياب أو قصور التنظيم التشريعي لحق دستوري مقرر؟
وقد انطلق البحث من تحديد الإطار النظري لمفهوم الإغفال التشريعي، مميزا بين الإغفال الكلي– الذي يتمثل في السكوت التام للمشرع– والإغفال الجزئي– الذي يتحقق عند تدخل المشرع بتنظيم قاصر لا يستوفي متطلبات الحماية الدستورية للحق. ومن خلال التحليل المقارن، تبين أن كلا من النظامين المصري والفرنسي قد شهدا حالات واضحة من الإغفال التشريعي في تنظيم الحق في الإضراب، ما استدعى تدخل القضاء الإداري للقيام بدور إنشائي في سد هذا الفراغ.
وقد أبرزت الدراسة الدور المحوري الذي اضطلع به مجلس الدولة الفرنسي، لا سيما في حكمه الشهير "Dehaene" عام 1950، في بناء مبادئ تنظيمية في ظل غياب النص، وهو ما ألهم المشرع لاحقا عند إصدار قانون 1963. كما وقفت على اجتهادات القضاء المصري، خاصة حكم المحكمة الإدارية العليا عام 2016، الذي أقر مشروعية الإضراب السلمي استنادا للنص الدستوري مباشرة، دون اشتراط وجود قانون منظم.
ويخلص البحث إلى التأكيد على أهمية الدور الإنشائي الذي يضطلع به القضاء الإداري في حالة الإغفال التشريعي، بوصفه وسيلة لضمان فاعلية الحقوق الدستورية، مع مراعاة تحقيق التوازن بين حماية هذه الحقوق ومتطلبات المصلحة العامة، دون أن يعد هذا الدور تعديا على اختصاص السلطة التشريعية.