مجلس العقد الإلکترونى فى القانون المدنى دراسة مقارنة

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

لنيل درجة الدکتوراه فى الحقوق کلية الحقوق - جامعة الزقازيق

المستخلص

تعد شبکة الإنترنت من أهم الابتکارات التي توصل إليها العقل البشري في مجال المعلوماتية منذ أواخر القرن المنصرم، حيث أزالت الحدود الجغرافية بين الدول وساعدت في تحويل العالم إلى قرية صغيرة، وفي هذا السياق ظهرت وتطورت التجارة الإلکترونية، وأصبح الإنترنت من أهم الوسائل التي يتم من خلالها إبرام العقود الإلکترونية. يمکن تعريف العقد الإلکتروني بأنه الاتفاق الذي يتلاقى فيه القبول بالإيجاب على شبکة دولية مفتوحة للاتصال عن بعد، بوسائل مسموعة ومرئية تخلق تفاعلاً بين الموجب والقابل، وهذه الوسائل غير مقتصرة على الإنترنت وخدماتها المتعددة، بل تشمل وسائل اتصالات إلکترونية أخرى کالفاکس والتلکس والفاکس ميل والهاتف، فهذه الوسائل التي ينعقد العقد الإلکتروني خلالها من أهم الخصائص التي تميزه عن العقد التقليدي. وعلى اعتبار أن هذا العقد ينتمي لزمرة العقود المبرمة عن بعد والتي تنعقد بوسائط إلکترونية دون تواجد مادي للأطراف فإن إثباته ووفاءه يتم بطرقٍ خاصةٍ مختلفةٍ عن العقد التقليدي. عادةً ما يسبق انعقاد العقد الإلکتروني مرحلة التفاوض التي يتم فيها تبادل الاقتراحات والمساومات وتعرف بالفترة قبل العقدية علماً بإمکانية إبرام العقد دون المرور بهذه المرحلة، وقد ثار خلاف حول طبيعة المسؤولية المترتبة على قطع المفاوضات فيما إذا کانت تقصيرية أم عقدية، کما ثار خلاف حول الطبيعة القانونية للعقد الإلکتروني فيما إذا کانت عقد إذعان أم عقد رضائي، وتتحدد هذه الطبيعة بالطريقة المتبعة في إبرام العقد على شبکة الإنترنت فالعقود المبرمة عبرها عادة ما تکون عقود إذعان وبخاصة تلک التي تنعقد عبر شبکة المواقع (الويب) أما العقود المبرمة عبر البريد الإلکتروني أو المحادثة مع المشاهدة فتکون عادةً عقوداً رضائية. ينعقد العقد الإلکتروني بتراضي طرفيه ويتوقف وجود التراضي على تلاقي التعبير عن إرادتين متطابقتين بصدور إيجاب للتعاقد وقبول لهذا الإيجاب بإحدى طرق التعبير، ومن هذه الطرق وفقًا للقواعد العامة التعبير بواسطة اللفظ والکتابة والإشارة المتداولة عرفاً  أو باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شکًا في دلالته، وهناک صور خاصة للتعبير عن الإرادة عبر الإنترنت في العقد الإلکتروني وهي التعبير عبر البريد الإلکتروني وعبر شبکة المواقع وکذلک عبر المحادثة المباشرة مع المشاهدة، وبالإمکان استخدام رسائل البيانات الإلکترونية للتعبير عن الإرادة عبر هذه الصور إضافةً إلى بعض الطرق الأخرى التي نظمتها القواعد العامة. الإيجاب الإلکتروني لا يختلف في جوهره عن الإيجاب التقليدي سوى في الوسيلة المستخدمة فقط للتعبير عنه، وتبرز أهمية التفرقة بين الإيجاب والدعوة إلى التفاوض في تحديد ما إذا کان بالإمکان الرجوع عن الإيجاب، حيث أن اقتران الإيجاب بقبول يؤدي إلى انعقاد العقد ولا يتمکن الموجب من الرجوع عن إيجابه، بينما في حالة الدعوة إلى التفاوض يظل من حق المعلن الرجوع عن إعلانه حتى لو اقترن بقبول، وهناک شروط للإيجاب الإلکتروني، منها أنه يجب أن يکون موضحًا وموجهاً إلى شخص بعينه أو أشخاص معينين وأن يکون باتاً ومحددًا تحديدًا کافياً. کما تطبق القواعد العامة على الإيجاب الإلکتروني فإنها تطبق کذلک على القبول الإلکتروني في تنظيمه، وهناک طرق خاصة للقبول الإلکتروني تتماشى مع طبيعة العقود المبرمة عبر شبکة الإنترنت. منها تقنية التحميل عن بعد والضغط على الأيقونة الخاصة بالقبول وذلک بملئ الفراغ المخصص بإحدى العبارات التي تعبر عن القبول. وقد يکون التعبير عن القبول صراحةً أو ضمناً، أما السکوت فلا يعتبر قبولاً إلا في حالات استثنائية وهذا الفرض يصعب تطبيقه على العقود المبرمة عبر الإنترنت. سار المشرع المصري والأردني في القانون المدني على نهج الفقه الإسلامي فيما يتعلق بمجلس العقد، حيث أعطى القابل فترة معقولة من الوقت لإعطاء قبوله دون التراخي المؤدي إلى الإضرار بالموجب، وتکمن أهمية مجلس العقد في تحديد مکان وزمان التعاقد وکذلک معرفة المحکمة المختصة، إذا ما ثار نزاع بشأن العقد والقانون الواجب التطبيق. ينقسم مجلس العقد إلى نوعين: حقيقي وحکمي. فالمجلس الحقيقي هو المجلس الذي يجتمع فيه المتعاقدان في مکان واحد ويکونان على اتصال مباشر بحيث يسمع کلاً  منهما الآخر مباشرًة دون انشغالهما بشاغل، حيث يبدأ بالإيجاب وينتهي بالرد قبولاً أو رفضًا أو ينفض دون رد، والمجلس الحکمي هو المجلس الذي يکون أحد المتعاقدين غير حاضر فيه، وهذا غالبًا ما يکون عليه مجلس العقد الإلکتروني. يعد المعيار الزمني الأنسب والأکثر مرونة للتمييز بين هذين النوعين من التعاقد لاستطاعته مواکبة التطورات الحاصلة على أرض الواقع في وسائل الاتصال الحديثة، وبهذا أُعتُبِر مجلس العقد عبر الهاتف وما يماثله عمومًا تعاقداً بين غائبين من حيث المکان وحاضرين من حيث الزمان، کما أُعتُبِر مجلس العقد عبر الفاکس وما يماثله تعاقداً بين غائبين من حيث الزمان والمکان، أما بالنسبة للتعاقد عبر شبکة الإنترنت فيختلف الحکم وفقاً للصورة التي يتم بها التعاقد، فالتعاقد عن طريق البريد الإلکتروني يکون عادةً تعاقداً بين غائبين من حيث الزمان والمکان، عدا حالة الاتصال المباشر عبر البريد الإلکتروني بدون فاصل زمني بين صدور القبول وعلم الموجب به، فيکون عندها التعاقد بين حاضرين من حيث الزمان وغائبين من حيث المکان، وفي حالة التعاقد عبر شبکة المواقع فيکون التعاقد بين غائبين من حيث الزمان والمکان، أما التعاقد بواسطة المحادثة المباشرة مع المشاهدة فيکون التعاقد بين حاضرين من حيث المکان والزمان وإذا تم استخدام الکتابة فقط ولم يکن هناک فاصل زمني بين إرسال الرسالة وعلم الطرف الآخر بها للرد عليها برسالة فورية أو اتصال شفوي، فعندها يعتبر التعاقد بين حاضرين من حيث الزمان وغائبين من حيث المکان، أما في حالة وجود فاصل زمني بين إرسال الرسالة والعلم بها للرد عليها فعندها يعتبر تعاقداً بين غائبين من حيث الزمان والمکان، وهذه الصورة الأخيرة تنطبق على إرسال الرسائل النصية القصيرة بواسطة الهاتف النقال. ونتيجةً لما أثاره مجلس العقد من إشکالية تحديد زمان ومکان انعقاد العقد فقد ظهرت حلول فقهية وتشريعية لحل هذه المسألة على اعتبار أنها من أکثر المشاکل التي واجهت التعاقد بين غائبين. وتمثلت هذه الحلول بالنظريات الأحادية والثنائية، فالنظريات الأحادية هي التي لا تفصل بين مسألة زمان ومکان انعقاد العقد وتجسدت بنظرية إعلان القبول، تصدير القبول، استلام القبول والعلم بالقبول أما النظريات الثنائية فهي التي لا ترى تلازمًا بين زمان انعقاد العقد ومکانه وتتجسد في نظريتين تبناهما الفقيهان مالوري وشيفاليه هذا وقد اختلف موقف التشريعات الدولية والوطنية من هذه النظريات.